في الصور التي نطالعها وتخص الدولة الفارسية، دائمًا ما يجذب أعيننا هي تلك الملابس الفضفاضة والملونة التي يتميز بها هذا العصر، لم نعد نطالع هذه الملابس التي اختفت مع مرور الزمن، إلا أن ريشة الفنانين استطاعت تخليدها، ومع ظهور التصوير بدأت الصور الفوتوغرافية تصبح جزءًا من الذاكرة البصرية للأمم، حتى الآن ومع صور الأفلام، وكل هذه الوسائل التي صارت أسهل لمعرفة تطور الأزياء كجزء من تكوين الفيلم الذي يخص عصر معين ومكان أيضًا.
العصر الفارسي
اشتهر في العصر الفارسي بشكل خاص “القلنسوة” حيث كان الجميع يضع غطاء رأس على شكل مخروطي، أما قمتها فقد كانت مدببة، مثل ما ذكر المسعودي في كتابه “مروج الذهب” وتتكون هذه القلنسوة من إطار من الأغصان المجدولة أو الخشب المغطى بالحرير، وكانت تسمى هذه القلنسوة باسم “الدنية” لأنها تشبه في تكوينها إناء الخمر الدن، كما كان هناك القلنسوات الدائرية العادية، والتي لها زائدة من الخلف طويلة.
كذلك كان من أشهر هذه الأزياء “القفطان” وهو يعد رداء بأكمام طويلة، وبأزرار من أوله لآخره، وقد انتقل من الحضارة الفارسية لبس القفطان للعالم العربي، كما ارتداه الخليفة العباسي “المقتدر” في حربه ضد أحد الخارجين عليه، وكان القفطان الذي ارتداه من الحرير المطرز بالفضة، وهو ما جعل القفطان بنتشر بشكل موسع.
كما كانت هناك المعاطف المصنوعة من الصوف، وهو له شكلين الأول واسع ومفتوح من الأمام به كوله وكمه طويل ينتهي بأساور، أما الثاني فهو قصير من الأمام وطويل من الخلف بدون أساور أو كوله، أما جنود الفرس فقد ارتدوا ربطة مذهبة حول الجبهة تحت القلنسوة المبطنة، أما الدرع فكان معدني تميزه فتحات متفرقة، بينما ارتدى رجال البلاط الملكي الملابس الفضفاضة بأكمام واسعة، في حين ارتدى الحكام المحليين للأقاليم المختلفة ملابس بسيطة كالأردية الصوفية القصيرة، إلى جانب البناطيل خاصة لأنها أكثر سهولة وراحة وقت ركوب الخيل.
الأزياء الإيرانية الشعبية
عندما استقرت إيران وصارت دولة ذات سيادة واستقلال، صارت كل محافظة تتخذ رداءًا معينة وكأنه بصمة لها، إذ تختلف ملابس المهن والطبقات في ألوانها وأشكالها وكذلك في نوع القماش المستخدم وعغيره، وإن كان يجمعها في النهاية فكرة أساسية، إذ تتميز الأزياء الإيرانية الشعبية القديمة باللباس الطويل الذي يشبه العباءات السورية، إلى جانب المنديل، وكذلك الحجاب أو غطاء الرأس حيث يرتديه النساء والرجال باختلاف أشكاله، إلى جانب العباءة والمشلح والعمامة أو الطربوش، كما تتميز الأماكن الباردة أنها تصنع ملابسها من الصوف، بينما في جنوب إيران تصنع الملابس الشعبية هناك من الحرير أو الكتان الرقيق نظرًا لارتفاع درجة حرارة الجو، أما ألوان الملابس فهي دائمًا مليئة بالألوان المختلفة، وتتميز بالقماش المزركش متعدد الألوان.
احتفاظ بالتاريخ
وحتى الآن، داخل مدينة أصفهان، لا يزل بعض سكان القرى والريف يرتدون الملابس المحلية خاصة داخل المناطق السياحية مثل قرية “أبيانه” التي يعود تاريخها إلى 1500 عام، إذ يتميز السكان بلباسهم الأصلي الملون، إذ لا يرتدوا اللون الأسود حتى وقت العزاء، أما في المحافظات الغربية تختلف ملابس الأقوام والعشائر، ورغم ارتدائهم للملابس العصرية، إلا أنهم مازالوا يفخرون بملابسهم التراثية، أما في “أردبيل” فلا يزل السكان يرتدون الملابس الشعبية بالذات النساء، اللاتي يرتدين الزي الشعبي الخاص الذي يتكون من 9 قطع، ولهم في ذلك اعتقادات متوارثة حتى الآن في ارتداء قطع هذه الملابس.
حداثة
في الوقت الحالي اختلفت الملابس بشكلها الجديد عنها في القديم، حيث يميل الإيرانيون كأي شعب في العالم إلى الاتجاه لخطوط الموضة العالمية، ورغم أن كثير من السيدات يرتدين العبايات السوداء الواسعة، أو العباءات الملونة القصيرة وتحتها بنطال، إلا أن الشباب والشابات بشكل خاص يهربن من وطئة هذه الملابس الشائعة، وهو ما يجعلهم يميلوا لارتداء الملابس على النمط الغربي، وإن كان هناك اتجاه لإعادة إحياء الملابس التراثية بشكل حداثي، يتناسب في الوقت نفسه مع التقاليد الإسلامية في المنطقة، إذ أقيمت مؤخرًا عروض أزياء ومعارض أيضًا للأزياء التراثية، وهو ما لفت أنظار العديد إلى هذه الملابس من جديد.