في الثالث عشر من يوليو / تموز الماضي، نشر موقع عربي 21، ترجمةً لتقريرٍ صُحفي صادر عن الصُحافي الأميركي، سون إنغل راسموسين، نشره على صفحات الجريدة البارزة Wall Street Journal The، وقد كان يحمل في طياته موضوعًا مثيرًا خاص بانقلاب شخصية رئيس الجمهورية الإيرانية، حسن روحاني، من النهج الإصلاحي الذي هو من المحسوبين عليه وأحد نُجباء أبنائه، إلى نهجٍ محافظيًّا أكثر تشدُدًا.
فكيف تأتّى هذا وهل هذا الأمر حقيقيًّا؟
- الافتتاحية كانت بارزة لتفنيد شخص روحاني، الذي أتى على رأس الحكم في البلاد عقب فترةٍ قضاها الرئيس
السابق، أحمدي نجاد، في ثمان سنوات من 2005-2013، أدار فيها البلاد بصورةٍ ليس هُنالك ما هو أسوأ منها بل حتى وصمها بالسيء هو إلحاق أذىٍ بالسو، ضجت في هذه الفترة البلاد من العقوبات والمعارك والجبهات التي شرّعها نجاد المحافظ المُتشدِد، وأصبح الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ككرة ثلج تتدحرج من قمة جبل إلى سفحه بصُورةٍ غير طبيعية، كما أصبحت صورة تظاهرات الحركة الخضراء والتي قُمِعت بلا هوادة ولا رحمة عام 2009 من قِبل قوة الحرس الثوري، فأُريِقت فيه الدماء وزُجَّ بالمئات في غياهب سجون الجمهورية القاتلة، قائمةً في عقول الإيرانيين الذين وعوّا أن البلاد مُقدِمةٌ على فترةٍ حالكة، وقد كان.
ومن ثمَّ فقد كان انتظار نجمٍ إصلاحيٍّ هو الهدف الجماهيري القائم للتخلُص من حُكم نجاد، وهي لُعبة أدارتها دولة المرشد بدهاءٍ وذكاءٍ شديدين، إن كانت الجماهير قد سأمت من حكم المحافظين فلنُدِر وجهتنا صوب الإصلاحيين والذين إن كانوا ظاهريًّا مُعادين لفكر المحافظين، ولكنهم جميعًا يحملون نفس التوجه والسياسات والثوابت، وهذا مما يجدُر الإشارة إليه والتنبيه عليه لصناعة حالة من الإدراك لدى الذين يتابعون الشأن الإيراني الداخلي.
وهذه كانت حقبة روحاني الذي أبدى ظهرًا ووُعودًا قادمةً على ظهر فترته، وفكرًا جديدًا يحقق تماهيًّا مع الوضع الخارجي الذي كان يصل لأعلى مراحل السُوء أثناء حكم الرؤساء المحافظين للبلاد، وأحلامًا جذبها من السماء إلى أرض الواقع وصياغة وضعٍ بلوماسيًّا لا يعرف الممانعة والصُدود الأجوفين.
- استلم روحاني الحكم وهو يعلم أن الوضع لن يكون مُعبَّدًا، وقد أشار إلى ذلك لاسيما أثناء حملته الانتخابية للفترة الرئاسية الثانية، أن مؤسسات حكم المحافظين أصبحت في وضعٍ يُمكِّنها من الحد من صلاحياته وعدم تفعيل قراراته وإجراءاته، مثل قوة الحرس الثوري، وهيئة الإذاعة والتليفزيون، ومؤسسات الدعوة والحوزات العلمية ومراكز الأوقاف التي تبسط يدها على أراضٍ وأموال لا يُقدَّر حجمها، كما أنها تتحكم في عُقول الإيرانيين بصُورةٍ واضحة.
ومن هُنا علم روحاني أن التوجه صوب الغرب، وكسر العُزلة، وتحريك عجلة الاقتصاد، وتحقيق الانفتاح هي عوامل كلها تُمكِّنه من البقاء حيًّا تنفيذيًّا أطول مما يعتقد المحافظون، وهي أُمور ستدفع الإيرانيين من كل حدبٍ وصوب للإيمان بروحاني وبفكره، وستُوجِد زخمًا غير طبيعيّ وصعودًا للتيار الإصلاحي، وستدفع بروحاني للخُلُود في تاريخ الجمهورية التي لم تُكمِل عقدها الرابع، وهذا بالطبع أمرٌ لا يستهويه المحافظون البتة.
وبالفعل نجح الرجل المُتزِن ذو اللحية البيضاء، في تحقيق اتفاقية العمل المشتركة، وإبرام الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1 في منتصف عام 2015، كان هذا الانتصار هو تحقيقٌ أكيد وبارز لنبوءة مؤيديه، الذين أتوا به إلى سُدة الحكم عام 2013، وراهنوا عليه، وعوّلوا على أن إيران عبر روحاني ستتمكن من التخلص من صورتها كونها دولة منبوذة دوليًا، كما أكد تقرير راسموسين، والذي أشار إلى أن روحاني استطاع أن يقاوم ضغوط القوى السياسية التي تعارض الدبلوماسية إلى الآن.
ولكن قد سارت الرياح بما لا تشتهي سُفن روحاني، ولم يستطع أن يُفعِّل كثيرًا من بنود الاتفاق، وظلت أموال جمهوريته الطائلة في بنوك أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وهما يفيضان عليه منها تقطيرًا وبكمياتٍ ضئيلة ووُفوراتٍ صغيرة لا تُمكِّن إيران من تحقيق الانطلاقة الموعودة التي قطع وعدًا بها روحاني في حملته.
الانقلاب
- بمرور الوقت كان روحاني يفقد كثيرًا من الزخم والهالة التي كسّته طيلة حملته الانتخابية الأولى، وفترة رئاست
الأولى كذلك، إذ أن روحاني كان يستثمر نجاحه في إبرام الاتفاق النووي وكسر العُزلة الدولية عن إيران، ورفع العقوبات والدفع بالبلاد من حالة التجمُد إلى الحيوية، في زيادة شعبيته وبسط تفوذه وإكسابه مزيدًا من القوة والممانعة ضد أجهزة تيار المحافظين في البلاد. لكن هذا الفقدان كما أشرنا سابقًا أن أعظم أسباب هو عدم تحوُل كل هذه المكاسب إلى ما نستطيع أن نُسميّه أكاديميًّا “إمبريقيًّا”، فقد ظلت هذه المكاسب حبر على ورق، وتطاير في الآفاق المثل القائل: “ثمة أواني كثيرة ولكن لا أثر لعشاء”.
مع التوازي، فقد كان التصدُع في العديد من المناحي والحُقول داخل الجمهورية جليًّا، ولا يحمل من القدرة بمكان على إخفائهِ أو مواربته، وهذا هو السبب الأبرز الذي جعل راسموسين يصل إلى أطروحته واستنباطه، لم يُصبِح روحاني يمتلك قُدرة على الصُدُود للمحافظين، ليس ليأسه من طول التناحُر معهم، بل لأن الوقت قد حان لإزالة وجه الإصلاحي واستبداله بالمحافظ المُتشدِد، فانهيار الاتفاق من طرف الولايات المتحدة الأميركية، والضغط المالي غير الطبيعي على الجمهورية، والحصار النفطي بأمرٍ مُعمَّم من قِبل الولايات المتحدة لكافة الجهات العاملة في إيران، بالتوقف عن التعامل بالنفط الإيراني؛ أُمورٌ أثقلت كاهل روحاني وجعلته لا مفر يضع يده في يد المحافظين، في ظل انسداد الأُفق الإصلاحي الذي ينتهجه، ورجاحة الرؤية التصادُمية للمحافظين ولو لبعض الوقت.
#نستكمل الجزء القادم