يبدو أن الأوضاع لا تأخذها طريقها للهدوء بخصوص الملف النووي الإيراني، وأن تداعياته ستكون صعيبة على الحصر والإلمام، ومن ثمَّ فسيُورِث أو سيُخلِّف هذا تعقيدًا غير طبيعيّ في المعادلة الإيرانية الغربية، بين إيران من جهة وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائهما إسرائيل في الخفاء من جهةٍ أُخرى.
وما دامت الأوضاع لا تريد أن تأخذ منحىً مستقرًا أو وتيرة طبيعية، فإن هذا يعني فتح الباب للأفعال الإيرانية والتي كانت مُحجَّمة من قبل في التنامي والتعاظُم بصُورةٍ مجهولة، وستلجأ إيران لأفعالٍ أقل ما سيُقاَل عنها أنها هستيرية سياسيًّا بل وعسكريًّا، وإيران تحبس النفس الأخير على أمل الإبقاء على الاتفاق النووي وعدم خلخلته أو إلغاءئه، والذي ما لم يُحقَّق سنشهد دُخانًا يتصاعد من منطقةٍ أُخرى في هذا الجانب من العالم الذي لا تتوقف النيران والأدخنة عن التصاعد منه.
فقد بدأت إيران اللجوء إلى الآليات الأولى والتي كانت تتمرس في استخدامها قُبيل توقيع الاتفاق النووي في 2015، وهو التهديد بالتصنيع النووي لأغراضٍ عسكرية بغض النظر عن فكرة الدفع الدائم للرد المُعلَّب الخاص بأن إعادة تشغيل المصانع المتوقفة، أو العمل على رفع الطاقة الإنتاجية النووية هي لأغراضٍ سِلمية، وهذه الردود تُوجَّه صوب أوروبا والتي يعكف قادتها على المُثُول في جلساتٍ مُكثَّفة مع جواد ظريف، ونُوابه ومساعدوه ومُمثِّلين من الجمهورية الإيرانية على تثبيت دعائم الاتفاق وترميم أساساته التي على شفا الانهيار التام، وذلك قُبيل دخول العقوبات الأميركية حيز التنفيذ في الرابع من أغسطس / آب المقبل.
نحو سلاحٍ نوويّ
في التاسع والعشرين من شهر يونيو / حزيران الماضي، أصدر المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، علي خامنئي، أوامره لهيئة الطاقة الذرية الإيرانية بإعادة تشغيل مصنع “UCF” النووي، الكائن في مدينة أصفهان، بعد توقف دام لـ9 سنوات، وقد ذكر تقرير لوكالة فارس الإيرانية، أن المصنع المذكور قد أوقف أنشطته منذ عام 2009؛ بسبب نقص مادة “الكعكة الصفراء”؛ وهي مادة من اليورانيوم المركَّز الذي يحتوي على نحو 80 بالمئة من اليورانيت؛ حيث يستخدم لإعداد وقود المفاعلات النووية، فضلًا عن تخصيبه لتصنيع السلاح النووي.
وأشار التقرير أن هذا المصنع يكتسب أهميةً خاصة في البرنامج النووي الإيراني؛ كونه يوفر كمية كبير من هذه المادة الاستراتيجية التي تُعد المصدر الرئيس لعمليات التخصيب في المفاعلات الإيرانية كافة.
وهذا يعني أن هناك رسالتين من إعادة تشغيل هذا المصنع، الأولى؛ وهو أن إعادة تشغيل المصنع تعني توافر المادة ووجودها بكثرة واستطاعة الهيئة وعلى رأسها النظام في التحصُل عليها وتخزينها لوقت الحاجة طيلة السنوات التسع التي توقف فيها المصنع عن العمل، والثانية؛ التصعيد وإلهاب الصفيح والضغط بقوة على الغرب بالكُلية لاتخاذ موقفٍ فاصلٍ عن الاتفاق؛ فإما أن نسير على نفس الطريق الماضي ونعُد للاتفاق، وإما فالمربع صفر.
لم تكن هذه الحادثة هي الأخيرة، ففي الثامن عشر الماضي من الشهر الجاري، أعلنت إيران إنشاء مصنع لإنتاج أجزاء الدوران اللازمة لتشغيل ما يصل إلى 60 وحدة طرد مركزي يوميًّا، على حد ذكر رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي.
وقد قال صالحي، نقلًا عن وكالة رويترز، أن المصنع الجديد لا يُمثِّل بحد ذاته انتهاكًا لشروط الاتفاق، مُضيفًا: “بدلًا من بناء هذا المصنع على مدى السنوات السبع أو الثماني المقبلة، بنيناه أثناء المفاوضات لكن لم نبدأ العمل فيه”.
مُستطردًا: “بالطبع كان الزعيم الأعلى يعلم ذلك، والآن بعد أن أعطى الأمر بدأ هذا المصنع العمل”، مشيرًا إلى أن الطاقة الإنتاجية للمصنع هي إنتاج أجزاء الدوران اللازمة لتشغيل ما يصل إلى 60 وحدة (آي آر- 6) للطرد المركزي يوميًّا.
هذا الهدوء والاتزان في الطرح لم يكن ليتوافق مع ما اتخذته وكالة الطاقة الذرية من إجراءات في اليوم التالي، بمضاعفة ذخائر اليورانيوم لديها إلى نحو 950 طنًا والبدء بإنتاج أجهزة طرد مركزي متطورة، للتخديم على الــ60 طرد المركزي سالفة الذكر.
علي أكبر صالحي مجددًا وهو نفسه، من أدلى بتصريحاتٍ في شهر يونيو / حزيران الماضي مَفادها إن إيران بدأت العمل على بُنيةِ أساسية لبناء أجهزة طرد مركزي متطورة في منشأة “نطنز” النووية.
في مطلع كانون الثاني / يناير من عام 2017، أعلنت هيئة الطاقة الذرية الإيرانية أنها بدأت اختبار جيل جديد من أجهزة الطرد المركزي يعرف بـ “آي آر8″، وأنها بدأت حقن الأجهزة بغاز اليورانيوم، مشيرةً في بيانٍ لها أن ذلك الاختبار يجري ضمن الاتفاق النووي والمعاهدات الدولية، وأن الجيل الجديد من أجهزة الطرد المركزي يتميز بقدرته على التخصيب عشرين مرة أكثر من الجيل الأول المعروف ب ” آي آر1″.
ولكن هذا التطوير توازى مع تصريح لصالحي قال فيه: “إنه إذا مزق الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الاتفاق النووي، فسترد طهران بشكلٍ يصدم الأميركيين”.
إذًا إيران كانت كالذي يسير على حبلٍ ويحمل عصا طويلة من منتصفها، محاولًا ألا يسقط وفي نفس الوقت يحافظ على أكبر قدر من من الاتزان والحفاظ على كافة الجبهات، فإيران لم تُغلِق الباب النووي بالكُلية لا سيما عندما جاء دونالد ترامب إلىى سُدة حكم الولايات المتحدة مطلع عام 2017، وبالفعل لم يمر 17 شهر من تولي ترامب الحكم حتى انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، ولم يتم الاتفاق عامين كاملين حتى تصدع مشوَّبًا بانهيارٍ وشيك.
التسليح
في الثامن عشر الماضي من الشهر الجاري أيضًا، ونقلًا عن وكالة تسنيم الإيرانية، فقد أعلن نائب وزير الدفاع الإيراني، رضا مظفري نيا، أن إيران تعتزم صناعة وتحديث 800 دبابة.
والذي صرّح للوكالة قائلًا: “لدينا مخطط لتحديث وصناعة ما بين 700 و800 دبابة”.
مُضيفًا أن هناك ما بين 50 و60 دبابة تُصنَّع سنويًّا، وتم تخصيص أموال كافية لتلبية الاحتياجات الكبيرة للجيش والحرس الثوري.
غير مُفصِحٍ عن نوعية الدبابات، وعدد الذي سيتم تحديثه منها، وعدد الدبابات الجديدة المُخطَّط لصناعتها، كما تقُم وزارة الدفاع الإيرانية في الوقت الحالي بتنفيذ برنامجٍ لتحديث الدبابات من نوع “T72” المتوفرة لديها، وهذا حسبما أكدت الوكالة.
بالطبع، ومن المُؤكَّد أن إيران لا تمتلك العُدة التكنولوچية أو التقنية التي تُمكِّنها من إطلاق برنامج تسليحي مُتكامِل، ولا حتى الوفورات المالية للانخراط في هذا المجال، نظرًا للوضع العُقُوبي العسير المفروض على إيران منذ عدة سنوات والذي يمنعها من حيازة الأدوات والآليات اللازمة لتطوير البرنامج التسليحي لديها.
ولكن الذي لا شك فيه هو أن إيران تُسخِّر وتستغل كافة ما تحوزه من السلاح والتقنيات أشد استغلال وتمكُنًا، وليس هذا فقط بل تتمرسه وأصبح لها طُول دُربةٍ به، ومعرفة لكافة إمكانياته، ويخضِعونها للتطوير والتحديث وليس ثمة دليل على هذا الشأن أبرز من البرنامج الصاروخي الباليستي والذي وصل وسط هذا الحصار الخانق لمرحلةٍ عالية من التطور، وأصبح محل نقاشٍ واسع بين إيران والقُوى الغربية للكف عنه ووضع أوزاره.
**********
إذًا فإيران من المثالين السابقين واللذين حدثا خلال عدة أيام وبوتيرةٍ سريعة تقرع أجراس الخطر حتى ينطلق القرع من قلب طهران قاطعًا مساحات شاسعة ويضرب في أوروبا، وأميركا، وإسرائيل، ودول الخليج أيضًا لا سيما المملكة السعودية، وهو يُفسَّر بأن إيران تريد أن تبعث بطردٍ ملغوم للجميع بأنها لا تلوي على شيء، وأن الوضع إذا لم يسِّر على هواها؛ فستجعل من المنطقة صعيدًا أكثر التهابًا وسخونةً أكثر مما هي عليه، وستتحرش بالجميع أيًّا كانت الخسائر التي ستُلقيها هذه السخونة على نظام الملالي نفسه في إيران.
فهل يصبح التسليح في إيران -والذي سنُفرِد له مادةً تقريرية أوسع قريبًا- باب الخطر الذي كان مُوصَّدا عدة سنوات وقد ارتاحت منه أوروبا وأميركا، أم يُفتَح مجددًا ويُشرَّع لتنطلق منه أفعال ستُصبِح عصيّة على الإخفاء والإيقاف؟، لا شك أن هذا يرتبط بشكلٍ كبير بما ستُفرِزه الأيام المُقبِلة والتي ستشهد جلسات ومداولات وحوارات مُطولَّة لئلا تُقرع الأجراس، ولا تدخل إيران مرحلةً تسليحٍ ذاتي ستُلقِي بتبعاتها على الجميع.
المصادر