تفاجأ متابعو الأزمة الإيرانية الأمريكية المشتعلة منذ شهور، بموقف فرنسي إيجابي تجاه طهران التي أعلنت تأييدها لاستمرار الاتفاق النووي وعدم التخلي عنه، رغم أن الأساببيع الماضية شهدت مناوشات رسمية بين البلدين على الصعيد الدبلوماسي، حيث رفضت طهران مطالب فرنسا بوقف صناعة الصواريخ الباليستية، إلا أن هناك أسباب تدفع فرنسا لدعم موقف طهران من الاتفاق النووي وإبقاءه دون تغيير.
و دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الولايات المتحدة إلى البقاء ضمن إطار الاتفاق الخاص بالبرنامج النووي الإيراني “ما دام لا يوجد خيار أفضل»، وأضاف أن بلاده ليس لديها خطة بديلة للاتفاق.
وفي مقابلة مع شبكة فوكس نيوز، الأحد قبل يوم من وصوله إلى واشنطن في زيارة رسمية تستغرق ثلاثة أيام، قال ماكرون إنه يريد استكمال الاتفاق مع إيران بمعالجة قضية الصواريخ البالستية والعمل على احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة.
ويضع اتفاق عام 2015 بين إيران والولايات المتحدة وخمس قوى عالمية أخرى قيودا على برنامج إيران النووي في مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها، ووصفه الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنه “الأسوأ»الذي جرى الاتفاق عليه، وضغط على حلفاء أوروبيين للعمل مع بلاده على«إصلاح عيوب الاتفاق».
احتواء نفوذ إيران
وتطرق ماكرون أيضا إلى الهدف المشترك القاضي باحتواء النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، داعيا إلى التزام أمريكي بعيد الأمد في سوريا، حيث تحالفت باريس مع واشنطن لمكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» ولشن ضربات جوية على مواقع مرتبطة ببرنامج النظام السوري الكيميائي.
وفيما يعتزم ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا معتبرا أنه انتصر في المعركة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، قال ماكرون« سيترتب علينا بناء سوريا جديدة بعد الحرب، ولذلك أعتقد أن هناك دورا مهما جدا للولايات المتحدة”.
الحفاظ المكاسب الاقتصادية
الدكتور محمد سعيد عبد المؤمن، قال في تصريح لـ«إيران خانة»:«أن الموقف الفرنسي في الأيام القليلة الماضية، يمثل توجهات الأوروبيين التي تحاول الحفاظ على المكاسب الاقتصادية مع إيران لصالح أمن وأمان القارة الأوروبية، حيث التبادل التجاري الذي تحتاجه أوروبا مع إيران ممثلا في استيراد النفط من طهران مقابل توريد قطع غيار الصناعات الكبرى مثل الطائرات و المركبات والأجهزة الكهربائية والمعدات الثقيلة».
وأشار إلى أن باريس تجتهد لتعزيز التجارة مع إيران منذ وافقت باريس وواشنطن وقوى عالمية أخرى في 2015 على رفع عقوبات كثيرة عن إيران في مقابل كبح برنامج طهران النووي.
وكان رئيس بنك فرنسي مملوك للدولة، كشف في 1 فبراير الماضي، إنه سيقدم قروضا مقومة باليورو لمشترين إيرانيين يستوردون منتجات من فرنسا في وقت لاحق هذا العام، للمساهمة في انتعاش التجارة خارج نطاق العقوبات الأمريكية.
اتقاء شر الصواريخ
وأشار سعيد إلى أن أن صواريخ إيران اليوم مثل «شهاب 4» ستطال مدن أوروبا، في حال اندلاع حرب شاملة كبرى، فإذا تعرضت طهران لضربة عسكرية ستنشر صواريخها في تل أبيب و أوروبا باعتبار الأخيرة الأقرب لها كإجراء انتقامي يهدد سلامة مواطني أوروبا.
استعادة النفوذ الفرنسي
و رأى مراقبون أن هناك مطامع أخرى لسياسة ماكرون، وهي محاولة خلق مناطق نفوذ جديدة، حيث لعب ماكرون دور جرئ إذ دافع بقوة عن الاتفاق النووي الإيراني أمام تهديدات الولايات المُتحدة. وفي ذات الوقت انضم للولايات المُتحدة في إثارة الحديث حول البرنامج الصاروخي الإيراني ودعا للتفاوض بخصوصه.
وتقول «لانييس لوفالوا»، نائبة رئيس معهد بحوث ودراسات المتوسط والشرق الأوسط، إن الإيرانيين يطمعون في أن تقود فرنسا الدعم الأوروبي لموقفهم في وجه الولايات المُتحدة. كما تصف أن الإيرانيين لا يثقون بالإنجليز، كما لا يرون ألمانيا دولة ذات نفوذ.
اتهامات سابقة
وشهدت الفترة الأخيرة حالة تربص بين البلدين، وأصبحت العلاقات بين إيران وفرنسا مشحونة في الآونة الأخيرة، واهتزت بسبب المستقبل الغامض للاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية والقلق الفرنسي من إجراء طهران اختبارات على الصواريخ الباليستية وأنشطتها العسكرية في الشرق الأوسط.
و رفضت ايران تقديم اي التزامات إلى وزير الخارجية الفرنسي ايف لودريان بشأن صواريخها البالستية ودورها في المنطقة، وهو ما كان يريده الوزير الفرنسي في محاولته لإنقاذ الاتفاق النووي مع ايران الذي تهدد واشنطن بالانسحاب منه.
اتهمت الخارجية الإيرانية في بيان، لها في مارس الماضي فرنسا بما قالت إنه« سياسة منحازة» في الشرق الأوسط، بسبب موقف باريس الرافض لبرنامج إيران الصاروخي الباليستي الذي يمثل تهديدا لاستقرار المنطقة.
وقال البيان إن سياسة باريس تؤدي إلى تفاقم الأزمات في الشرق الأوسط، وذلك ردا على انتقادات فرنسية موجهة لطهران.
وكان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان صرح الخميس من السعودية أن فرنسا قلقة من «نزعة الهيمنة» الإيرانية في الشرق الأوسط، مشيرا خصوصا إلى برنامج طهران للصواريخ البالستية.
وتسعى فرنسا لحوار«صارم» مع إيران بشأن برنامجها للصواريخ البالستية، ومفاوضات محتملة بشأن القضية، بعيدا عن الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران مع القوى العظمى.
واقترحت باريس إمكان بحث عقوبات جديدة للاتحاد الأوروبي ضد إيران، بسبب اختباراتها الصاروخية، وهو ما رفضته على مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد فيدريكا موغيريني.