يتغير شكل إيران بتغير الأنظمة الحاكمة بها كمثل حال الكثير من البلدان، وتسهم السياسة الحاكمة في تغيير قوي وجذري لهذا التغير، الذي عادة ما يحدث دون تدخل قوي في سنوات طويلة نتيجة لتغير الأنماط الاجتماعية نفسها كتغير المجتمع من البداوة إلى الحضارة على سبيل المثال، ولكننا نعني هنا بالتغير القسري، الذي يغير شكل المجتمعات كما حدث في إيران مع الحجاب، فتارة يفرض جبرًا إزالته، وتارة يفرض ارتدائه مع عقوبات كبرى لأي من يخرج عن الإطار الموضوع سلفًا من قبل الحكام.
الحجاب
إرتدت نساء المدينة الحجاب في إيران منذ العصر الإسلامي، وكانت المدينة تتميز بارتداء الحجاب العادي، بينما الريف تميز بارتداء الشادور بشكل خاص منذ العصر الإخميني، وهو عبارة عن جلباب أو معطف غالبًا لونه يميل إلى الأسود كما يتوفر به ألوان أخرى ولكنه يعد اللون الأبرز لذلك الرادء، أما شكله فيكون على نصف دائرة ومفتوح من الأمام، وليس به فتحات للذراعين أو أزرار.
كان المجتمع متغير في هذه الآونة، ولم يكن الحجاب ذا بال بشكل كبير، يلبسه أهل الريف بشكل الخاص، بينما يقل لدى أهل الحضر، وذلك حتى مجىء الشاه رضا بهلوي.
حكم الشاه رضا بهلوي
في وقت حكم الشاه رضا تغير كل هذا بشكل كبير، إذ بدأ الشاه في تأسيس قواعد تحتم عدم ارتداء الحجاب بشكل قسري، ومن هنا بدأ الصراع الأكبر مع فكرة “الحجاب النسائي” توالت حينها دعوات للتمسك بالشادور بشكل أكبر كرد فعل على الأمر الذي أصدره الشاه عام 1928 م بعد زيارته لأوروبا وقراره بأن تصبح إيران قطعة منها، ومن هنا أصبح الحجاب محظورًا في الأماكن العامة، وصارت الشرطة تلاحق كل من ترتدي الحجاب في الشوارع أو في أي مكان آخر، بل وصل الأمر إلى منع المحجبات من دخول المدارس والمصالح الحكومية.
ناهضت المساجد هذا الرأي، وهو ما دفع رجال الدين للحديث عن هذا داخل خطبهم، كما قاموا بالعديد من المظاهرات المناهضة ضد هذا القرار، والتي قوبلت برد فعل عنيف من قبل الأمن الإيراني، أما الشاه فكان معه دفعة من المجتمع الأرستقراطي في هذا الوقت الذين أيدوا قراره بشكل كبير.
غير أن هذا الفرض لم يدم فترة طويلة، إذ تم عزل الشاه بعد إصداره لهذا القانون بخمسة سنوات، ولكن ليس عن طريق الشعب، بل عن طريق التدخل الإيراني السوفييتي بعد تأييد الشاه للرئيس الألماني هتلر في هذا الوقت، وحينها استلم الابنمحمد رضا بهلوي الحكم، ولم يكن الابن بنفس حدية والده، لذا لم يعد فرض الحجاب بهذا الشكل القاسي كما كان من ذي قبل، فصارت القبضة أقل بكثر، وأصبحت النساء يمكنها أن ترتدي الحجاب في الشوارع رغم بعض المعوقات التي كانت لاتزل موجودة أمام المحجبات.
الثورة الإسلامية
بعد فترة من الهدوء النسبي لذلك الصراع، عاد الحجاب على رأس أولويات الحكام من جديد بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وقد حددت الثورة ملامح الحجاب، إذ يجب أن يكون الشادور، أو معطف واسع وحجاب أسود أو داكن اللون لا يظهر الشعر والرقبة، مع بنطال واسع من القماش، كما منع أيضًا ارتداء حذاء مفتوح يُظهِر أصابع القدم، أو حذاء ذي كعب عالٍ.
مع مرور السنوات استطاعت النساء التخفف من حدية تلك القوانين وبدأت في الالتفاف عليها، غير أنه كثير ما يتم مقابلة هذا بعنف من قبل أفراد الأمن.
تحايل
مع تطور المجتمع، والانفتاح على الآخر وظهور التكنولوجيا الحديثة، استطاعت مئات النساء التحايل على هذا القرار الإجباري، إذ انتشرت الكثير من المبادرات التي تحاول بها النساء في التعبير عن أنفسهم برفضهن للحجاب الإجباري، وذلك مثل الدعوة التي أطقلن عليها سم “حريتي في الخفاء” والتي اطلقتها الناشطة الإيرانية “ماسية الإنجاد” المقيمة في نيويورك.
كما ظهرت حملة كبرى بالشوارع في إيران في الآونة الأخيرة تخلع فيها النساء حابهن لتقف في مكان عالي ملوحة به على عصى، غير أن كثير من السيدات اللاتي اشتركن في هذه الحملة تم القبض عليهن بتهمة عدم ارتداء الحجاب، هذا بالإضافة إلى حملة “الأربعاء الأبيض” والتي قامت النساء فيها بنشر صورا ومقاطع فيديو لأنفسهن وهن يرتدين أغطية رأس بيضاء، أو قطعا بيضاء من الملابس، رمزا للاحتجاج، وصاحبة الفكرة هي معصومة – مسيح علي نجاد، مؤسسة موقع (حريتي المسلوبة)، وهي حركة على الإنترنت معارضة للحجاب الإجباري.
أما على موقع انستجرام فقد انتشرت العديد من الصور لنشاطات إيرانيات دون حجابهن، وبلباس يخالف “الكود” المفروض عليهن، وهو ما دفع السلطات لاعتقال بعضًا منهن بتهم متفرقة، وكان آخرها الفتاة المراهقة التي أصدرت فيديو راقص لها، وحين القبض عليها انضم عشرات النشاطاء يقلدونها في فيديوهات راقصة على انستجرام تضامنًا منها.