تشهد العلاقات الإيرانية الطاجيكية فتورًا وتوترًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة قبل تأسيس منظمة شانغهاى للتعاون وموضوع عضوية إيران بها، حيث قامت السلطات الطاجيكية بإغلاق عدد من المؤسسات الإيرانية العاملة في طاجيكستان منها غلق مكتب مفوضية الإمام الخميني للإغاثة في العاصمة الطاجيكية دوشنبه، منع إصدار تأشيرات دخول المواطنين الإيرانيين في مطار دوشنبه، منع استيراد بعض المواد الغذائية الإيرانية، إغلاق مكتب المستشارية الثقافية الإيرانية في دوشنبه، إغلاق مكتب المستشارية التجارية الإيرانية في دوشنبه و منع تداول أعمال الإمام الخميني في طاجيكستان وإلغاء الفعاليات الثقافية والاقتصادية الإيرانية في المدن الطاجيكية.
يُعَد هذا التصعيد في العلاقات بين إيران وطاجيكستان هو الأول من نوعه منذ سقوط الإتحاد السوفييتي واستقلال طاجيكستان منذ ربع قرن تقريبًا، حيث كانت إيران من أوائل دول العالم التي اعترفت باستقلال طاجيكستان ولها استثمارات ضخمة بها ولكن هذا التوتر في العلاقات له الكثير من الأسباب والدلالات نتناول أهمها.
اعتراف عدد من مواطني طاجيكستان بتلقي تدريبات إرهابية في قم
كانت وزارة الداخلية الطاجيكية قد أعلنت من خلال فيلم وثائقي أعدته وبثته كافة وسائل الإعلام الطاجيكية عن تخطيط إيران للمذابح والإبادة التي حدثت في طاجيكستان فى عقد التسعينيات من القرن الماضي، واعترف مجموعة من الجنود الطاجيك بتلقيهم تدريبات عسكرية إرهابية في قم الإيرانية وأنهم قاموا باغتيال مجموعة من مشاهير المجتمع الطاجيكى والشخصيات الطاجيكية البارزة في تلك الفترة بأمر من عبد الحليم نظر زادة أو نظروف وزير الدفاع الطاجيكى في تلك الفترة. لكن الحكومة الإيرانية قد أعلنت ردًا قاطعًا على هذه الاتهامات.
العقبة السنية – الشيعية وتأثيرها على العلاقات بين إيران وطاجيكستان
على الرغم من أن المذهب السني هو المذهب الرسمي للدولة في طاجيكستان، إلا إن البلاد تُعَد مرتعًا للأئمة الشيعة – خصوصًا الشيعة الإسماعيلية – وأئمة الزردشتين – أحد الديانات الوضعية الإيرانية القديمة الموجودة حتى الآن – ولكن ليس هناك أية إحصائيات رسمية عن عدد هؤلاء ولكنهم يتلقون دعمًا كبيرًا من إيران وهو الذي تعتبره الحكومة الطاجيكية يمثل تهديدًا للأمن القومي.
العلاقات الإيرانية الطاجيكية ومسألة حزب النهضة الإسلامي الطاجيكى
أحد أهم أسباب توتر العلاقات الإيرانية الطاجيكية هو حضور محي الدين كبيري زعيم حزب النهضة الإسلامي المعارض في طاجيكستان لقمة الوحدة الإسلامية في طهران العام الماضي. ويُعَد حزب النهضة الإسلامي في طاجيكستان حزبًا محظورًا وتتم ملاحقة أعضائه أمنيًا في كافة المدن الطاجيكية.
التنافس الإيراني السعودي في آسيا الوسطي
أصبحت منطقة آسيا الوسطي مسرحًا للتنافس الإيراني السعودي منذ بدايات تسعينيات القرن الماضي إبان استقلالها عن الإتحاد السوفييتي، حيث صارت الدولتان على قدم وساق من أجل جذب أنظار الدول الوليدة الناشئة بعيدًا عن أحضان الإتحاد السوفييتي المُنهار من أجل نقل الصراع والتنافس فيما بينهما إلى ساحة جديدة واستغلت كلتا الدولتان كل إمكانياتهم المادية والمعنوية والتراثية الثقافية من أجل السيطرة على المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي في دول آسيا الوسطي، على سبيل المثال استغلت إيران العامل الجغرافي من أجل جذب انتباه هذه الدول الحديثة بالإضافة إلى العامل الديني – حيث أن هناك بعض هذه الدول غالبية سكانها يدينون بالإسلام وفق المذهب الشيعي – بالإضافة إلى الإرث التاريخي القديم الذي كان يجمع كل هذه الدول تحت راية الدولة الإيرانية تحت مسمى بلاد ما وراء النهر هذا بالإضافة قطعًا إلى استغلال إيران مقدراتها المادية الناتجة إلى حجم اقتصادها القوى في نهايات القرن الماضي من أجل السيطرة على هذه الدول.
فى حين سعت المملكة العربية السعودية إلى السيطرة على هذه الدول الحديثة متمسكة بمبدأ زعامة العالم الإسلامي مستغلةً وجود الحرمين الشريفين في أراضيها وبدأت في إرسال البعثات العلمية والتعليمية من أجل استكشاف هذه الدول الجديدة واستغلت أيضًا العامل المادي والاقتصادي من أجل جذب انتباه هذه الدول إليها باعتبارها قوة اقتصادية قوية في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وقد نجحت المملكة العربية السعودية في إقامة علاقات قوية وجيدة مع هذه الدول بسبب سياسة عدم التدخل في الشئون الداخلية لهذه الدول إلى حد كبير في حين أخفقت الإدارة السياسية والدبلوماسية الإيرانية في إدارة ملف استمالة دول آسيا الوسطي إليها بسبب الشبهات والاتهامات المتكررة لها بالتدخل في الشئون الداخلية لهذه الدولة ودعم الحركات العنصرية والمتطرفة بها بالإضافة إلى اتهامات دائمة لإيران بدعم الجماعات الإرهابية في هذه المنطقة على المستوى المادي والمعنوي والعسكري أيضًا، بالإضافة إلى عدم مناصرة إيران لبعض قضايا الدول المستقلة عن الإتحاد السوفييتي في المحافل الدولية بسبب بعض الأسباب والتداعيات المحتملة في الداخل الإيراني حيث تقف إيران إلى جانب أرمينيا في أزمة ناجورنو قاراباغ وهى أحد المناطق المتنازَع عليها مع أذربيجان ولا تقف في هذه الأزمة بجانب أذربيجان على الرغم من إن أذربيجان مذهبها الرسمي في البلاد هو المذهب الشيعي وهو نفس المذهب الرسمي في إيران إلا أن إيران لا تساندها في هذه الأزمة بسبب اعتبارات داخلية واعتبارات أخرى خاصة بالأقلية الأذربيجانية التي تحاول الاستقلال عن إيران حيث إنها أكبر الأقليات الموجودة في إيران ولذلك تساند إيران أرمينيا في قضية الصراع على ناجورنو قاراباغ.
وعلى هذا يمكننا تفسير أمر التوتر في العلاقات الإيرانية الطاجيكية خلال العامين الماضيين حيث تُصِر إيران على دعم الجماعات الإرهابية والجماعات المتطرفة التي تعمل ضد النظام في طاجيكستان التي تتهم إيران في الوقت نفسه بأنها أحد أهم اللاعبين في الحرب الأهلية في طاجيكستان 1992 – 1997 م حيث يشمل الاتهام تدريب إيران للعناصر الإرهابية التي قامت باغتيال القيادات السياسية الطاجيكية في فترة الحرب الأهلية بالإضافة إلى تقديم الدعم المادي والعسكري لجماعات التمرد ضد الحكومة والنظام في طاجيكستان حيث أدت هذه الاتهامات إلى التوتر الحالي في العلاقات بين البلدين لصالح بعض القوى الأخرى مثل المملكة العربية السعودية وتركيا بسبب التدخلات الإيرانية في الشئون الداخلية لطاجيكستان ودعمها المتكرر لجماعات التطرف الطاجيكية لفترة طويلة من الزمن حسب اتهامات السلطات الطاجيكية.