بدا قادة إيران وأبناء نظامها لا يُفوتون مُلتقىً أو فرصةً إلا وقد انبروا لإعلان التحدي وتوجيه خطاب مجابهاتيا تجاه أمريكا ترامب في الآونة الأخيرة.
هذا الخطاب ظهر وكأنه يحمل حدةً وعدائيةً بعدما كانت قد توقفت طبول التراشُق والعداء الذي كان في أي لحظة مُهيأ للانقلاب والتحول إلى حرب قد تأكل في طريقها الأخضر واليابس، رُغم عدم جدية هذا المحور، وابتعاد كلا الدولتين عن الاقتراب منه.
وهذا الهُدوء الحذر كان على إثر الاتفاق النووي المعروف مع مجموعة 5+1، والذي أبرمته الإدارة الأمريكية في عهد باراك أوباما سلف دونالد ترامب في رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.
علي أكبر ولايتي، مستشار مرشد الثورة الإيرانية، علي خامنئي، نقلت عنه وكالة أنباء “فارس” الإيرانية للأنباء، حديثه وخطابه المُطول أمام “المؤتمر الجامعي دعمًا لانتفاضة فلسطين”، والذي ذكر فيه على وجه الصراحة، أن القيادة الإيرانية لا تعتزم تقليص نفوذها في الشرق الأوسط رغم الضغوط الأمريكية.
وأضاف قائلًا: “نفوذ إيران في المنطقة حتمي، وكي تظل لاعبًا رئيسيًا في المنطقة سيستمر هذا النفوذ”. وأسرد قائلًا إن بلاده تفتخر بأن دعمها “محور المقاومة” ساهم في “شل الكيان الصهيوني في اعتداءاته على غزة ولبنان”، مشيرًا إلى أن “حزب الله اليوم بات في وضع يتهرب ساسة الكيان الصهيوني من مواجهته على غرار حرب تموز”.
وأعلن أن: “إيران لا تعتزم التخلي عن الدول المضطهدة في المنطقة. فوجودنا في سوريا والعراق وفلسطين ولبنان هو للتنسيق مع حكومات هذه الدول”. وقال أن : “إيران هي قلب التطورات الدولية، أمريكا تريد تمزيق الشرق الأوسط، وإيران تعارض ذلك”.
وأكد ولايتى على رفض طهران إقامة أية دعوات ارتباطية بين مهمة الحفاظ على الاتفاق النووي وبين تقييد برنامج إيران الصاروخي أو انطلاقها الإقليمي، معتبرًا أن وجود إيران في المنطقة هو أمر لا مفر منه، وكي نبقى العنصر الأكثر حسمًا في المنطقة سنواصل هذا النهج.
وأضاف في النهاية قائلًا: “لا يُقلقنكم ما حرض عليه أعداؤنا في الخارج، شعارات مثل “لا غزة ولا لبنان”، فهي تُظهر عدم فهمهم للشؤون الخارجية، وليس في وسعنا ألا نكترث بحريق مشتعل في منزل الجيران”.
كانت هذه الكلمات مُقدمة يمكن إسقاطها على كل ما سيليها، فقد كانت كافة التصريحات على نفس المنوال، فقد أكد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في تغريدة له على حسابه على موقع تويتر، أن السياسة الأمريكية النووية العسكرية تجعل البشرية أقرب إلى “الفناء”.
وأضاف أن هذه السياسة الأمريكية تعكس مدى الاعتماد المتزايد على السلاح النووي في انتهاك لمعاهدة حظر الانتشار النووي -التي وُقعت في عام 1968-، ما يُعجل بفناء وانقضاء البشرية. مضيفًا أن إصرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على قتل الاتفاق النووي بين إيران والقوى العظمى المبرم في صيف 2015، ينبع من التهور الخطير نفسه.
هذه الرسالة قد تأتت عقب إعلان الولايات المتحدة، الجمعة الماضية، تخطيطها لاقتناء أسلحة نووية جديدة ضعيفة القوة، بحُجة أن روسيا تجدد من ترسانتها من هذه الأسلحة.
وفي نفس السياق، قال الناطق باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، في مؤتمر صُحافي، السبت، إن أي تدخُل في شؤون إيران الداخلية من قبل أي طرف سيُواجه برد قاطع، وفرنسا ليست مستثناة من ذلك.
وقد أشار قائلًا: “أكدنا مراراً أنه لن نسمح لأي أحد بالتدخُل في القضايا الدفاعية لإيران، وأن الصراخ الأمريكي وأحيانًا الأوروبي، فيما يخص النفوذ الإيراني والصواريخ الإيرانية، هو للضغط عليها للتراجع بعد أن شعروا بالقلق إزاء تقدم طهران، وإمكانية تقدمها أكثر، كما أن الاتفاق النووي ليس إلا ذريعة لتحقيق إجماع دولي ضدنا”.
متابعًا أن دولًا كثيرة باتت مؤمنة أنه لا يمكن الثقة بأمريكا، فيما يخص تعهداتها الدولية والثنائية، مشددًا على أنه إذا كانت أمريكا تريد مواصلة طريق تقويض الاتفاق النووي فعليها أن تتحمل أعباء ذلك.
روحاني هو الآخر، أزادَ من الشعر بيتًا عندما صرح في كلمة له خلال افتتاح عشرة مراكز ثقافية ومتاحف حول الدفاع المقدس، إن بلاده لن تتفاوض مع أي طرف بشأن قدراتها الدفاعية، مؤكدًا أنها ستُنتج أي نوع من الأسلحة التي تحتاجها. وأضاف أن أن إيران لن تدخل في مفاوضات مع أي قُوة بشأن قدراتها الدفاعية، وأضاف قائلًا: “أنه إذا حاول أي مسؤول الحديث معنا في هذا الموضوع، فجوابنا سيكون محكمًا وواضحًا في هذا المجال، وأنه ما دام هناك تهديد يستهدف إيران، فإنه لا بُد من تعزيز قدراتنا الدفاعية، وأن نكون أقوياء حتى لا يتجرأ العدو على الاعتداء علينا”.
بل أنه هاجم الولايات المتحدة صراحةً عندما قال أن أمريكا تهدد اليوم روسيا بسلاح نووي جديد، على حين إنها تقول إن الأسلحة النووية مناقضة للقوانين الدولية، ولا يجب لأي دولة استخدامها لكنها تملكها لاستخدامها، أو للتهديد بها بوقاحة، لذا سنصنع أي سلاح للدفاع عن بلادنا في إطار القوانين، ولن نسعى إلى امتلاك السلاح النووي، ولكننا سنعزز قدراتنا من أجل الردع وبما يضمن السلام وتعزيز قدراتنا الوطنية.
وكان هذا ردًا عامًا على المطالب الأوروأمريكية لإيران بالتخلي عن برنامج صواريخها الباليستية، والتراجُع عنه، وتحذير إيران لهما بأنها قد تُزيد من مدى هذه الصواريخ إذا تم تجديد هذا الطلب.
هذه المتوالية من الهجوم الكلامي، وإعلاء سقف الخطابات في المواجهة والاحتداد من الجانب الإيراني على الولايات المتحدة الأمريكية، ما هو مرجوعها؟
إيران باتت تؤمن أن ترامب لا يبتغي لها أن تتنفس، أو يمارس جسدها دوره الطبيعي في الحياة، فبات ترامب يُعيد إيران إلى المربع صفر قُبيل الاتفاق النووي، إن لم يكُن أبعد من ذلك.
وترامب لا يُريد إكمال طريق الاتفاق النووي مع إيران، والذي وصفه في أكثر من وقت، أنه أحد كُبرى الانتكاسات للسياسة الخارجية الأمريكية في عهد سلفه أباما، إن لم يكن الأسوأ على الإطلاق.
وقد منح ترامب في 12 كانون الثاني / يناير الماضي، مهلة أخيرة للاتفاق النووي الإيراني، مطالبًا حلفاؤه الأوروبيين والكونجرس بالعمل معه من أجل إصلاح “العيوب المروعة” في الاتفاق، في مدة أقصاها 120 يومًا، عبر إضافة اتفاق مُلحق للاتقاق الأُم، وإلا ستنسحب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق بشكل فردي.
وأن بلاده ستُمدد تعطيل العقوبات الإيرانية طيلة هذا الــ 120 يوم، حتى يتم إضافة الاتفاق المُلحق بالتعديلات، وأن بلاده لن تُعطل مسار العقوبات مجددًا، لأنها ستنسحب نهائيا، وسيُصبح لها مسارًا دبلوماسيا خاصًا مع إيران.
وهذا أمر فجر عاصفة الانتقاد والاحتداد الإيراني على الولايات المتحدة. وأن التفاق غير قابل لإعادة التفاوض، وأن أمريكا تتعامل بغطرسة، وتريد تقويض اتفاق قوي متعدد الأطراف. لاسيما أن الإصلاحات التي تريدها أمركا تتعلق بشأن البرنامج الصاروخي الإيراني، وهو ما ترفض إيران المساس به مطلقًا.
أمر آخر، وهو أن هذه الضُغُوط الأمريكية تُلقي بظلال ثقيلة على اتفاقيات الطاقة في إيران، كما أفاد موقع “ميدل إيست أونلاين”.
ذكرت طهران أن تصريحات دونالد ترامب الأخيرة ضد الجمهورية الإيرانية أدت إلى إرجاء إبرام اتفاقات نفط وغاز، في الوقت الذي تتفاوض فيه إيران مع أكثر من 20 شركة لتطوير حقول طاقة.
وقال وزير النفط الإيراني، بيغان زنقنة، خلال مؤتمر صحافي: “يحاول ترامب زعزعة شروط السوق للراغبين في التعامل مع إيران، منذ عام وهو يزعزع استقرار السوق بإطلاق تهديدات كل ثلاثة أو أربعة أشهر. لا يمكننا القول إن لا تأثير لذلك”.
وصول ترامب إلى الحكم بدد حماسة الشركات الأجنبية العاملة في قطاعات الطاقة من نفط وغاز، والتي كانت تتسابق عقب الاتفاق على الدُخُول إلى الساحة الإيرانية للاستثمار فيها.
وأضاف بيغان قائلًا: “لا أتجاسر حتى على ذكر أسماء المشاريع التي سنتفق عليها قريبًا، إذا قمت بذلك سيتم منذ الغد ممارسة ضغوط على الشركات الأجنبية لكي لا توقع عقودًا معنا”.
وأعلن أن بعض الدول “على المستوى الدولي والإقليمي” تمارس ضغوطًا على الشركات الأوروبية والآسيوية لعدم توقيع عقود مع إيران بدون تحديد هذه البلدان.
وجدير بالذكر، أن إيران أبرمت مع مجموعة توتال الفرنسية، على رأس كونسورسيوم، مع شركة “سي إن بي سي” الصينية عقدًا لتطوير حقل غاز في إيران بقيمة خمسة مليارات دولار.
ورُغم هذا، فإن هُناك محللين حذروا من أن الاستثمار في السوق الإيرانية يعتبر مجازفةً ومخاطرةً كبيرة في ظل مناخ غير مستقر، ووسط مخاوف من أن تعيد الولايات المتحدة العمل بنظام العقوبات على خلفية شبهات حول انتهاك طهران للاتفاق النووي، وعلى ضوء استمراراها في تجاربها الصاروخية بما يهدد أمن واستقرار المنطقة.
فهل تستمر إيران في استعراض فُتوتها الدبلوماسية، وتجديد غاراتها على الولالايات المتحدة الأمريكية، أم تنخرط أمريكا ترامب أكثر في إذعان إيران وتُوجه لها ضربةً قاصمةً بفض الاتفاق النووي معها، إيذانًا بالدخول في دوامة قد يظهر منها أي نجاة؟.
هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة.