من جديد عادت أزمة الملف النووي الإيراني تتصدر المشهد العالمي، عقِب تقديم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ما قال إنه دليل من آلاف “الملفات النووية السرية”، التي تظهر كذب إيران بشأن طموحاتها النووية.
واتهم “نتنياهو” -في مؤتمر صحفي يوم الإثنين- إيران بتنفيذ برنامج سري للأسلحة النووية، عرف باسم “مشروع عماد”، وقال إنها واصلت متابعة المعلومات الجديدة بشأن الأسلحة النووية بعد إغلاق المشروع في 2003.
وأضاف “نتنياهو”: “إن وجود الملفات المزعومة يثبت أن إيران كانت تخزن مواد برنامج عماد سرا لاستخدامها في الوقت الذي تختاره لتطوير سلاحها النووي”، مضيفًا: “قدمنا نسخة من السجلات إلى الولايات المتحدة”.
وتمتلك الولايات المتحدة وروسيا أكبر ترسانات من السلاح النووي، كما تمتلك فرنسا، والصين، وبريطانيا، وباكستان، والهند، وكوريا الشمالية بعض تلك الأسلحة، ولم تؤكد “إسرائيل” أو تنفي أبدا حيازتها أسلحة نووية.
الاتفاق النووي الإيراني
قبل الحديث عن أهمية والدور الذي يمكن أن تلعبه “وثائق نتنياهو” في الاتفاق النووي الإيراني، يجب الإشارة إلى أنه وفقا للاتفاق، فإنه يجب على إيران الالتزام بخفض عدد أجهزة الطرد المركزي، التي تستخدم لتخصيب اليورانيوم، وألا يزيد التخصيب على 3.67 في المئة.
وتوصلت إيران والدول الست في 2 إبريل 2015 إلى بيان مشترك يتضمن تفاهمًا وحلولًا بما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، ووفقا للاتفاق أيضا، يتعين على إيران خفض مخزونها من اليورانيوم المخصب بصورة كبيرة، وألا تخصب ما تبقى لديها من يورانيوم بما يكفي لإنتاج أسلحة نووية.
وينص الاتفاق على خفض عدد أجهزة الطرد المركزي في منشأتي ناتانز، وفوردو النوويتين الإيرانيتين بصورة كبيرة بعيد التوقيع على الاتفاق، وشحن آلاف الأطنان من اليورانيوم المنخفض إلى روسيا للتخصيب.
الولايات المتحدة الأميركية
يُشار إلى أنه من المقرر أن يتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قرارا بحلول 12 مايو الجاري، بشأن ما إذا كان سيسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي أُبرم مع إيران في 2015.
وتعتبر “وثائق نتنياهو” فرصة للرئيس الأميركي ترامب من أجل الإنسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، حيث جاء الرد سريعًا من وزارة الخارجية الأميركية بشأن الوثائق وأكدت أنها صحيحة.
وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، إن الوثائق التي أعلنت عنها إسرائيل بشأن البرنامج النووي الإيراني الكثير منها جديد، وأضاف بومبيو، أميركا تعمل لإصلاح الاتفاق النووي الإيراني.
وحسب “رويترز”، قال البيت الأبيض، في بيان، إن المعلومات التي أعلنتها إسرائيل بشأن البرنامج الإيراني النووي توفر “تفاصيل مقنعة” بشأن جهود إيران لصنع أسلحة نووية يمكن إطلاقها عن طريق صواريخ”.
وأضاف البيت الأبيض، أن “هذه الحقائق تتفق مع ما تعرفه الولايات المتحدة منذ فترة طويلة، وهو أن إيران تملك برنامج أسلحة نووية قويا وسريا وأنها حاولت ولكن فشلت في إخفائه عن العالم وعن شعبها”.
وقال المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز: “إذا استمر الاتفاق النووي كما هو عليه الآن فإنه فور انتهاء مدة الاتفاق بعد سبع سنوات سيكونون قطعوا شوطاً كبيراً وقادرين على صنع سلاح نووي أسرع بكثير مما ذكروا سابقاً”.
اقتراح جديد
وحول إمكانية وجود حل لأزمة الاتفاق النووي الإيراني، قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إن هناك حاجة لاتفاق أوسع، مع إيران بشأن البرنامج النووي الإيراني الذي ينتهي في 2025، مضيفًا: “لا أحد يريد حربا في المنطقة، ولا أحد يريد تصعيد التوترات بها”.
وأضاف -حسبما نشر موقع سكاي نيوز عربي-: “مع اقتراب الموعد النهائي الذي حدده دونالد ترامب”، ليقرر ما إذا كان سينسحب من الاتفاق ويعيد فرض العقوبات على إيران، قال ماكرون من سيدني: “بصرف النظر عن هذا القرار، يجب التفاوض على اتفاق جديد مع طهران”.
وأشار الرئيس الفرنسي الذي أخبر الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي أن الاتفاق الحالي غير كاف، أنه “يجب توسيع الاتفاق ليتضمن 3 نقاط رئيسية جديدة: النشاط النووي الإيراني بعد انتهاء الاتفاق الحالي في 2025، وتحسينات في مراقبة النشاط النووي الإيراني الداخلي، وتحسين احتواء النشاط الإيراني في الشرق الأوسط، لا سيما بالعراق وسوريا ولبنان واليمن”.
لكن مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، قالت إن الوثائق التي قدمها نتنياهو، لا تثير أي تساؤل بشأن التزام إيران بالاتفاق.
وأضافت “موغيريني”، أن الوثائق ذات السرية التي تدعي إسرائيل الحصول عليها بشأن برنامج إيران النووي يجب تقديمها إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقال متحدث باسم الحكومة البريطانية، وهي إحدى الدول الموقعة على الاتفاق، إنها ستواصل مساندة الاتفاق، مضيفا “لم نكن أبدا سذجا بشأن إيران، ونواياها النووية”.
وهون روب مالي، الذي كان ضمن فريق التفاوض بشأن الاتفاق خلال فترة إدارة أوباما، من أهمية الادعاءات الإسرائيلية، قائلا إنه “لا جديد” فيها.
إيران ترُد
من جانبه، قال بهرام قاسمي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إن ادعاءات نتنياهو بأن طهران كذبت بخصوص طموحاتها النووية هي كلام “مستهلك، ومخجل ولا فائدة منه”.
وقال وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، في وقت سابق إن ما فعله نتنياهو كان يهدف إلى التأثير في قرار ترامب المزمع اتخاذه بشأن الاتفاق.
وأضاف أن الوثائق هي ادعاءات مكررة تعاملت معها الوكالة الدولية للطاقة الذرية من قبل، وهي المنظمة التي كان منوطا بها التحقيق في ماضي إيران النووي.
ولم ترد الوكالة على اتهامات نتنياهو مباشرة، لكنها أشارت إلى تقريرها الصادر في عام 2015 والذي وجد أنشطة في 2003، “ذات صلة بتطوير أداة نووية متفجرة”.
ولكنها قالت أيضا إن هذا التقرير نفسه أشار إلى أنه “لم تعد هناك أي مؤشرات موثوق بها في إيران ذات صلة بتطوير أداة نووية متفجرة بعد عام 2009”.
استعراض مسرحي
وفي تحليل لصحيفة “التايمز” نشره موقع “بي بي سي عربي” للصحفية كاثرين فيليب، عن وثائق نتنياهو بعنوان “استعراض مسرحي، بلا جديد”، قالت: “نتنياهو تعهد بكشف ما وصفه بـ”ملفات سرية نووية” لم يرها العالم من قبل تثبت أن إيران كانت تسعى سرا لإنتاج أسلحة نووية، ولكن “في الواقع لا يوجد الجديد أو المثير للدهشة فيما قاله للمراقب المطلع”.
وتقول فيليب إن ما كشفته الوثائق بالفعل هو الأسباب التي دعت في المقام الأول إلى إبرام الاتفاق النووي الإيراني ولماذا كافحت الدول الموقعة له لإتمامه: الحيلولة دون دخول إيران إلى سباق التسلح النووي وامتلاكها القدرات التقنية والمعرفية والمواد اللازمة لتصنيع قنبلة نووية.
وتختتم “فيليب” المقال بأن نتنياهو لم يكشف قيام إيران بأي خرق للاتفاق النووي بل يكشف فقط أنها كذبت فيما يتعلق بتأكيدها أنها لم تسع قط لامتلاك سلاح نووي، ولكن الإبقاء على الاتفاق مع إيران لا يعتمد على ما تقوله إيران بل على عمليات التفتيش التي تقوم بها وكالة الطاقة الذرية.