قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في وقت سابق من هذا الأسبوع في هلسنكي، بمناقشة القضية السورية، وعلى وجه الخصوص، احتمالية المواجهة على الحدود الإسرائيلية السورية.
وقد تصل الحرب الأهلية السورية إلى نهاية بائسة، ولكن القلق في إسرائيل يزداد مع زيادة اقتراب النظام السوري من حلفائه الإيرانيين، وميليشيا حزب الله اللبنانية.
حتى قبل قمة ترامب في هلسنكي، سافر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى موسكو الأسبوع الماضي للاجتماع مع بوتين، وهي ثالث قمة من نوعها في الأشهر الستة الأخيرة، ولم يكن هناك سوى بند واحد في جدول الأعمال وهو “سوريا”.
وتم إسقاط طائرة عسكرية بدون طيار فوق شمال إسرائيل، مما دفع الجيش الإسرائيلي للرد بتوجيه ضربات ضد أهداف الجيش السوري.
“سقوط قرى المتمردين في تتابع سريع مع قصف الطائرات الروسية جوًا، والجنود الإيرانيين الذين يقاتلون أرضًا”
وقد بدأت المرحلة الأخيرة من الحرب السورية في الشهر الماضي، عند هجوم النظام السوري ضد محافظة درعا الجنوبية، آخر معاقل التمرد.
فمع قصف الطائرات الروسية جوًا، وإيران وعملائها الذين يقاتلون على الأرض، سيطرت سوريا على قرى المتمردين في تتابع سريع، وبلغت ذروتها بالاستيلاء على مدينة درعا، مهد الانتفاضة، وفر عشرات الآلاف من المدنيين من أجل سلامتهم نحو الحدود الإسرائيلية أو الأردنية.
وفي الأيام القليلة الماضية، انتقل بشار الأسد وحلفاؤه إلى محافظة القنيطرة المجاورة لمرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، وكما قال المراسل العسكري الإسرائيلي رون بن يشاي: “سيسقط الجانب السوري من مرتفعات الجولان في يد الأسد مثل الفاكهة الناضجة التي حان وقت سقوطها”.
وبمجرد اتخاذ القرار، يؤكد المحللون الإسرائيليون أن النظام السوري يمكن أن يستعيد المنطقة في وقت قصير.
“إن غرض إيران هو إنشاء خلايا نائمة تهدف لتحويل سوريا إلى جبهة أخرى ضد الدولة اليهودية”
عندما وقفت على الخط الحدودي الأسبوع الماضي مع أحد كبار ضباط الجيش الإسرائيلي المسئولين عن الجولان، كانت الرسالة المهيمنة هي الاستعداد المقرون بعدم اليقين، وأخبرني الضابط إيتسيك الفاسي: “ما كان يحدث هنا في الأشهر السابقة لن يحدث غدًا، فالمنطقة ستعود للنظام سواء كان هناك اتفاق، أم لا”، وعلى الرغم من رغبات الإسرائيليين، فمن المحتمل، ألا يعني ذلك العودة إلى الوضع الراهن قبل الحرب السورية.
وقد عزز جيش الدفاع الإسرائيلي فرقة الجولان بقوّة إضافية من النيران الثقيلة، “المدرعات والمدفعية”، وهو مستعد لدعم الخطين الأحمرين اللذين وضعتهما الحكومة: لا ترسيخ عسكري لإيران أو حزب الله في المنطقة أو سوريا، وتأييد اتفاق وقف إطلاق نار بين إسرائيل وسوريا منذ عام 1974.
وقد تم تجاوز الخط الأحمر الأول بالفعل، ففي الجولان السوري أخبرني الفاسي، أن إيران تحاول إنشاء خلايا نائمة، بهدف تحويل سوريا إلى جبهة أخرى ضد الدولة اليهودية.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغادور ليبرمان أثناء زيارته الأخيرة إلى الجولان: “نحن عازمون على عدم السماح بذلك، وسوف يتحمل الجميع المسؤولية ويدفعون الثمن، بما في ذلك نظام الأسد.
واستهدفت إسرائيل لسنوات الإيرانيين وأصول حزب الله داخل سوريا من الجو، في ظل تزايد حرب خفية تصاعدت منذ بداية هذا العام.
مثل الضربة المنسوبة لإسرائيل نحو قاعدة تي-4 الجوية في شمال سوريا الأسبوع الماضي، وكانت هذه المرة الرابعة على الأقل لتعرض هذه القاعدة للهجوم خلال الأشهر السابقة، وهي قاعدة معروفة بأنها ساحة انطلاق للقوات الإيرانية.
وقبل ثلاثة أيام، تعرضت قاعدة عسكرية سورية أخرى أيضًا لهجوم جوي، مما أسفر عن سقوط ضحايا في منشأة إيرانية.
“اتفاق وقف إطلاق النار لعام 1974، يمثل تعارض المفاهيم المجردة التي نوقشت في هلسنكي ضد الواقع على الأرض”
وفيما يتعلق بالخط الأحمر الثاني، فإن “اتفاق وقف إطلاق النار لعام 1974″، والمعروف رسميًا باسم اتفاقية فصل القوات، يمثل النقطة التي تصادمت فيها المفاهيم المجردة التي نوقشت في هلسنكي ضد الواقع على الأرض.
وساعد الاتفاق الذي توسط له هنري كيسنجر على الحفاظ على الهدوء بين إسرائيل وسوريا لمدة أربعة عقود، وفي الواقع، كانت الحدود الإسرائيلية هي الأكثر استقرارًا حتى اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011.
وقد أنشأ الاتفاق منطقة منزوعة السلاح في جميع مرتفعات الجولان – من قمة جبل الشيخ إلى السهول التي تلتقي فيها إسرائيل وسوريا والأردن.
وكان “خط ألفا” غربًا و “خط برافو” شرقًا، بمثابة الحدود التي يمكن أن تصل إليها القوات العسكرية الإسرائيلية والسورية، وفي منتصفها، قامت الأمم المتحدة بمراقبة فض الاشتباك، والتأكد من تمسك الطرفين بالاتفاق، ومن الناحية العملية، كانت المنطقة منزوعة السلاح تدار من قبل سوريا، والتي كانت في وقت السلم على ما يرام، ولكن في السنوات الأخيرة، استولت فصائل متمردة مختلفة على المنطقة، وطردت النظام.
وتوسعت مستوطنة “بريقة” التي يسيطر عليها المتمردون بسرعة خلال الشهر الماضي، وبالنظر إلى ذلك من مخبأ مهجور للجيش الإسرائيلي على الحدود، يمكننا أن نرى الخيام والهياكل المؤقتة الأخرى التي أقيمت حتى خط وقف إطلاق النار الدولي مع إسرائيل (خط ألفا)، أي في عمق المنطقة المنزوعة السلاح.
ووفقاً لأحد المصادر في المخيم الذي تحدث إلى صحيفة “ديلي بيست” هذا الأسبوع، فإن ما يقرب من 10000 من المهاجرين السوريين قد نزحوا لهنا حفاظًا على سلامتهم، على الرغم من الأرقام الرسمية التي قدمتها شبكة الإغاثة التابعة للأمم المتحدة تتجاوز 20000 شخص.
ولم تكن بريقة سوى واحدة من ضمن 12 مخيمًا في المنطقة، والتي استوعبت ما يقرب من 250000 من النازحين السوريين، وتعد بريقة مستوطنًا يوصى به، فبها خزان مياه يقع على جانبها الجنوبي، الذي ينتمي لموقع استراتيجي تابع للجيش الإسرائيلي، وكانت إسرائيل ولا تزال تقدم المساعدات الإنسانية للسوريين عبر الحدود، كجزء من سياسة “الجار الطيب” التي يتبناها جيش الدفاع الإسرائيلي.
وقد قامت وحدة “الجار الطيب” التابعة للجيش الإسرائيلي في منتصف عام 2016، بإجراء أكثر من 700 عملية، ونقل كل شيء من الطعام، والملابس، وحفاضات الأطفال، والوقود إلى سوريا، ونقلت الجرحى السوريين -بما فيهم المتمردين- إلى إسرائيل للحصول على الرعاية الطبية، كما تم إنشاء عيادة صحية تديرها منظمة غير حكومية أمريكية عبر السياج الحدودي، مع ضمان قوات الدفاع الإسرائيلية لأمنها (لا تزال العيادة تعمل حتى كتابة هذه السطور).
“إن عدم تدخل إسرائيل في الحرب الأهلية السورية يعدُ معروفًا، حتى بالنسبة للمتمردين”
ووفقًا لمختلف التقارير الصحفية الأجنبية، فإن إسرائيل زودت الجماعات المتمردة بالأسلحة والأموال، (وهو ادعاء ينفيه جيش الدفاع الإسرائيلي).
وكما أخبرني قائد عملية الجار الطيب في أواخر العام الماضي، كان هناك واجب أخلاقي لتقديم المساعدة إلى هؤلاء الأشخاص المحاصرين في حرب أهلية شرسة، فإذا لم نفعل ذلك، سيكون هناك شخص أخر يفعله، مشيرًا إلى علم حزب الله الأصفر والأخضر.
وفي الواقع، فقد زادت إسرائيل في الأسابيع الأخيرة من حجم المساعدات، حيث قطعت القرى المتمردة عن غيرها وسائل الحياة الاقتصادية في جنوب سوريا.
وعلى الرغم من ذلك، فقد صرح المسؤول الأمني قائلًا إن “إسرائيل لن تتدخل في الحرب الأهلية السورية، ولن تكون في صف أحد، والمتمردون يعرفون ذلك”.
وعلى بعد سبعة كيلومترات شرقًا من بريقة، ترتفع قمة تل الحارة المهيبة من سهول الجولان البنية الداكنة، وسقطت تل الحارة في يد القوات التي يدعمها الأسد منذ أيام، وهي واحدة من المناطق التي يسيطر عليها النظام وتقع بالقرب من المتمردين.
وفي كثير من الأحيان، تتبادل قوات النظام والمتمردون النيران من قذائف الهاون والمدفعية والدبابات التي يحتفظ بها كلا الطرفين، وفي كثير من الأحيان، تعبر قذائف النظام المنحرفة الحدود إلى إسرائيل، مما يؤدي إلى رد القوات الإسرائيلية بإطلاق النيران.
وقال الفاسي: “ليس من قبيل المصادفة أن الأسد وإيران غادرا هذه المنطقة، إنها منطقة حساسة، وكلاهما يعلم أنها لا يمكن أن تؤخذ بالقوة” بسبب اتفاقية عام 1974، وتشبثت الحكومة الإسرائيلية بشدة بشروط الصفقة، مع قيام نتنياهو ومسؤولين آخرين بإثارتها عند كل منعطف.
وقال ليبرمان: “أي جندي سوري يتواجد في المنطقة العازلة، فإنه يعرض حياته للخطر”.
التناقضات الاستراتيجية واضحة، فهم محرومون من تكتيكاتهم المفضلة: القصف الجوي العشوائي، وأساليب الحصار، والأسلحة الكيميائية.
كيف يجبر الأسد وشركاؤه الإيرانيون والروس الثوار في النهاية على تسليم المنطقة واستعادتها مع استمرار إسرائيل في تقديم المساعدات؟
وكيف يمكن لإسرائيل أن تفضل عودة الأسد إلى حدودها مع العلم تمامًا أن الجيش السوري مدعوم إلى أقصى الحدود من قبل إيران وميليشياتها؟
في الواقع، كما أظهر كل من فيليب سميث وحنين غدار من معهد واشنطن، فإن الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، تحول الزي الرسمي ببساطة لتندمج في الجيش السوري للأسد.
ووفقًا لما ذكره المحلل للحرب السورية أيمن جواد التميمي، فإن ما يصل إلى 80% من القوات التي تقاتل باسم الحكومة السورية تدعمها إيران، حتى أن ضباط حزب الله يساعدون في قيادة الهجوم الجنوبي ويشاركون بشكل أساسي في التخطيط وتوجيه المعارك.
وقال الفاسي: “حزب الله ليس مجرد دمية في يد النظام، فلديهم مصالحهم الخاصة”.
وفي الجولان، ينتظر جيش الدفاع الإسرائيلي ويستعد لتحرك العدو، بينما يطير نتنياهو إلى موسكو بحثًا عن بوتين للتوسط في صفقة ستزيل إيران من سوريا، ويعتمد ترامب على بوتين “لضمان الأمان لإسرائيل”.
لا أحد متأكد تمامًا مما إذا كان بوتين لديه القدرة على فرض مثل هذا الترتيب، حتى لو كان يرغب في ذلك، ومن غير المحتمل أن تحزم إيران ووكلائها أمتعتهم للمغادرة، بعد استثمار الكثير لإغاثة سوريا.
ومع الغارات الجوية التي يشنها النظام والقصف على المناطق النائية من محافظة القنيطرة، يتزايد التوتر بين السوريين المقيمين في مخيم البريقة.
وسار المئات لأور مرة يوم الثلاثاء على السياج الحدودي مطالبين بالحماية الإسرائيلية، وكما قال أحد نشطاء المعارضة في المعسكر لصحيفة ديلي بيست: “إذا غزا النظام المنطقة العازلة، فسوف نقطع السور والعبور إلى إسرائيل”، إنه سيناريو كابوس بالنسبة لجيش الدفاع الإسرائيلي، وليس خياليًا.
وقال الفاسي: “عشرات الآلاف من المدنيين اليائسين يبحثون عن ملاذ، لكن إسرائيل أوضحت أنها لن تسمح بمثل هذا الخرق الجماعي”
قد تقترب الحرب الأهلية السورية من نهايتها، ولكن بالنسبة لإسرائيل، من المحتمل أن الأمور ما زالت في بدايتها.