«في كل مرة أصور فيلما يتوجب علي تفسير كل شيء لطمأنة الجهاز الرقابي أني لست بصدد صناعة فيلم لإسقاط النظام الإيراني، وأن كل همي صناعة فيلم يناقش ويعكس المشاكل الاجتماعية لتحسين هذا المجتمع».. بهذه الكلمات رد المخرج الإيراني محمد رسولوف على وسائل الإعلام خلال مشاركته بفاعليات النسخة الأخيرة من مهرجان “كان” السينمائي الدولي، موضحًا بين طي كلماته مدى الصعوبات التي يواجها صاحب الـ 45 عاما في مجتمعة الذي يرى فيه تهديدًا كبيرًا لنظامه السياسي بسبب جرأة أفلامه في طرح مساوئ هذا النظام.
ومن جديد يعود المخرج الإيراني ليضع تحت وطأة الاعتقال والإقامة الجبرية بسبب فيلمه الأخير “رجل نزيه” الذي حصد جائزة مسابقة نظرة ما بمهرجان كان الفرنسي الدولي بعدما شهد عرضه الأول عالميا.
الفيلم الذي يتناول قصة رجل إيراني يحاول الوقوف أمام فساد إحدى الشركات التي تجبر المواطنين على بيع ممتلكاتهم، وأمام مدى تفشي هذا الفساد، لا يجد بطل الفيلم مفرًا من عدم الانخراط به أو أن يُصبح عدوًا لهذه الشركة بنفوذها سوى الهروب هو وزوجته وطفله من هذة المدينة والذهاب إلى منطقة ريفية نائية حتى لا يتحول إلى فاسد مثلهم.
لكن الفاسد الذي يهرب منه يجده متأصلًا حتى في قريته البعيدة، في إشارة من مخرج الفيلم إلى أن هذا المرض أصبح يسيطر على جسد المجتمع الإيراني بأكمله، وهو ما لم ترضَ به السلطات الإيرانية التي أقدمت سبتمبر الماضي على توقيف المخرج بمطار طهران ومنعه من مغادرة البلاد ومصادرة جواز سفره.
ويعود تاريخ العلاقة المتوترة بين المخرج الإيراني والنظام السياسي بالمجتمع الفارسي إلى عام 2009، حينما اتهم صاحب الـ 45 عامًا رفقة مواطنه المخرج الآخر جعفر بناهي، بالتواطؤ ضد الأمن القومي والدعاية ضد النظام الإيراني، وعلى أثر ذلك قضت محكمة إيرانية بسجن روسولوف 6 سنوات قبل أن يتم تخفيض الحكم إلى عام واحد فقط.
ولم تنتهي الحكاية عند ذلك الحد، ففي عام 2011 رفضت السلطات الإيرانية السماح للمخرج بذهاب إلى فرنسا لتسلم جائزة فيلمه “إلى اللقاء” الذي فاز وقتها بإحدى جوائز مهرجان “كان” الفرنسي، الذي كان بطلا في أزمة أخرى للمخرج مع نظام بلاده حينما عرض نسخة مهربة من فيلم “المخطوط لا يحترق” للمخرج نفسه الذي وقفت أمامه السلطات الإيرانية في ذلك الحين وحاولت إجباره على عدم عرض فيلمه بالمهرجان، لكنه نجح في تهريب إحدى نسخه من العاصمة الإيرانية إلى إدارة المهرجان التي قامت بعرض الفيلم، وعلى أثر ذلك ذهب المخرج الإيراني إلى السجن من جديد.
ويبدو أن للمهرجان الفرنسي دورا في تأجيج السلطات الإيرانية على روسولوف، ففي عام 2013 وبعد مشاركة أحد أفلامه بفعاليات نفس المهرجان وأثناء عودته من مدينة “كان” إلى طهران، أوقفته السلطات الإيرانية بالمطار وصادرت جواز سفره وممتلكاته، وظل وقتها ينتظر توجيه المدعي العام الإيراني سيلا له من الاتهامات أقلها محاولات إسقاط نظام الحكم الإيراني والدعاية ضده، لكن مرت الأيام والشهور وانخرط في عمله وأخرج أفلامًا أخرى زادت من حدة التوتر بينه وبين النظام.
مخرج فيلم “السهول البيضاء” الحائز على جائزة لجنة تحكيم مهرجان دبي السينمائي الدولي نسخة عام 2009، قال عبر فيلمه الأخير “رجل نزيه” إن المجتمع الإيراني بحالته الآن لن يخرج منه مواطن إيراني صالح، بل ما حل بالمجتمع لا يؤدي إلا نتيجة واحدة مواطنين مضطهدين، وما يواجهه المخرج الإيراني على أرض الواقع الآن لا يؤكد إلا ذلك.